الفصل السّابع
الملك صادق أعظم من الأحبار من نسل هارون
1 كانَ المَلِكُ صادِقُ مَلِكَ مَدينةِ ساليمَ، وحَبرًا شَفيعًا أمامَ اللهِ. وعِندَما أقبَلَ على النَّبيِّ إبراهيمَ الّذي عادَ بَعدَ مَعرَكةٍ كَبيرةٍ انتَصَرَ فيها على أَربَعةِ مُلوكٍ في شَمالِ فِلَسطينَ، فوَهَبَهُ بَرَكةَ اللهِ،* كان الملك صادق في تلك الفترة ملك مدينة ساليم. (انظر ما يتعلّق به في التوراة، سفر التكوين 14: 8 – 24). وكانت لفظة ساليم تُطلق في الماضي على مدينة القدس (انظر كتاب الزبور، مزمور 76: 2). 2 فقَدَّمَ لهُ النَّبيُّ إبراهيمُ العُشرَ مِن الغَنائمِ. واسمُ المَلِكِ صادِقِ يَعني مَلِكَ الإخلاصِ، بَينَما يَعني مَلِكَ ساليمَ “مَلِكُ السّلامِ” 3 فلَم يَذكُرِ الوَحيُ أنّ لهُ أَبًا، ولا أُمًّا ولا نَسَبًا، ولم يَذكُرِ شَيئًا عَن وِلادتِهِ أَو مَوتِهِ، وبذلِكَ فَهو شَفيعٌ إلى الأَبَدِ على مِثالِ السَّيِّدِ المَسيحِ، الابنِ الرُّوحيِّ للهِ.
4 فانظُروا إلى ما عِندَ المَلِكِ صادقٍ مِن عَظَمةٍ! إذ أعطاهُ أَبونا إبراهيمُ، أبو الأَنبياءِ جَميعًا، عُشرَ الغَنيمةِ. 5 لَقَد عَيَّنَ اللهُ مِن عَشيرةِ لاوي ابنَ النَّبيِّ يَعقوبَ أحبارًا، وجاءَ في التّوراةِ أَنَّ مِن حَقِّهِم أن يأخُذوا العُشرَ مِنَ إخوانِهِم، أي مِن بَقيةِ شَعبِ بَني يَعقوبَ، مَعَ أنَّهُم جَميعًا يَنحَدِرونَ مِن ذُرّيّةِ النَّبيِّ إبراهيمَ، 6 أَمّا المَلِكُ صادِقٌ فرَغمَ أنّهُ لا يَنحَدِرُ مِن نَسلِ لاوي، لكِنّهُ بارَكَ النَّبيَّ إبراهيمَ الحاصِلَ على وعودِ اللهِ ونالَ مِنَه العُشرَ! 7 وبذلِكَ فهو أعظَمُ مِنَ النَّبيِّ إبراهيمَ، إذ كُلُّ مَن يُبارِكُ الآخَرينَ، هو بِلا رَيبٍ أعظَمُ قَدرًا مِمَّن يَنالُ البَرَكةَ. 8 وفَوقَ ذلِكَ، إنَّ أَحبارَ بَني يَعقوبَ الّذينَ يَجمَعونَ العُشرَ هُم بَشَرٌ يَموتونَ، أَمّا المَلِكُ صادِقُ فهو أعظَمُ مِنهُم لأنّهُ لم يأتِ في الكِتابِ أنَّهُ قَضَى، بل هو حَيٌّ. 9 ولو جازَ القَولُ، لَقُلنا إنَّ بَني لاوي الّذينَ يأخُذونَ العُشرَ، قد قاموا بدَفعِ العُشرِ لِلمَلِكِ صادِقٍ على يَدِ النَّبيِّ إبراهيمَ، 10 لأنّ النَّبيَّ إبراهيمَ، عِندَما قَدَّمَ العُشرَ للمَلكِ صادِقٍ، قَدَّمَهُ نِيابةً عنِ الّذينَ يَنحَدِرونَ مِنهُ. فلاوي، وإن لم يُولَد بَعدُ، فإنَّهُ كانَ في صُلبِ جَدِّهِ إبراهيمَ عِندَما التَقى بالمَلِكِ صادِقَ.
وجه الشّبه بين السّيّد المسيح والملك صادق
11 كانَت شَريعةُ النَّبيِّ موسى تُقيمُ نِظامَ الأحبارِ مِن عَشيرةِ لاوي، وتَحديدًا مِن نَسلِ سَيِّدِنا هارونَ. ولكنّ هذا النِّظامَ لم يَكُن قادِرًا على تَقريبِ العابِدينَ إلى اللهِ بِشَكلٍ كامِلٍ، فاحتاجَ النّاسُ إلى حَبرٍ آخَر يَختَلِفُ عَنهُم تَمامًا، مِن غَيرِ نَسلِ سَيِّدِنا هارونَ، وعلى نِظامِ المَلِكِ صادِق، 12 لأنّهُ كُلَّما تَغَيَّرَ نِظامُ الأحبارِ، كانَ مِن الضَّروريّ أن تَتَغَيَّرَ الشَّريعَةُ وتَنُصَّ على هذا التَّغييرِ.
13 كُلّ هذا نَلمُسُهُ في السَّيّدِ المَسيحِ الّذي عَيَّنَهُ اللهُ كَبيرَ الأَحبارِ، باعتِبارِهِ لا يَنتَمي إلى قَبيلةِ لاوي، بل يَنتَمي إلى قَبيلةٍ لم يَكُن يَومًا ما أَحَدُ أَفرادِها حَبرًا في الحَرَمِ. 14 فَقَد كانَ سَيِّدُنا المَسيحُ مِن عَشيرةِ يَهوذا، ولم يَرِد في تَوراةِ النَّبيِّ موسى أنَّ أحبارًا مِن هذِهِ العَشيرةِ سيَخرُجونَ. 15 وحينَ ظَهَرَ كَبيرُ الأَحبارِ الّذي يُشبِهُ المَلِكَ صادِق، بَدا عَجزُ النِّظامِ القَديمِ أَوضَحَ على تَقريبِ العابِدينَ إلى اللهِ. 16 وإنّما أصبَحَ سَيِّدُنا عيسى كَبيرَ الأحبارِ، لا لأنّهُ مِن عَشيرةِ لاوي، كَما وَرَدَ في الكِتابِ، وإنَّما لأنَّهُ حَيٌّ وحَياتُهُ قَهَرَتِ المَوتَ.† لم يكن سيدنا عيسى حبرا على أساس انحداره من سلالة لاوي بن يعقوب (عليه السّلام)، فهو ينحدر من ذريّة يهوذا، أخ لاوي. وحسب شريعة النبي موسى فإنّ الحبر لا يُعيَّن إلاّ من عائلة هارون من قبيلة لاوي بن يعقوب، وبذلك فإنّ سيدنا عيسى يُعتبر حبرا لسببٍ آخر لا علاقة له بالنسب. 17 فقَد وَرَدَ عنهُ في الزَّبورِ: “إنّكَ أَنتَ حَبرٌ إِلى الأَبَدِ على نِظامِ المَلِكِ صادِقٍ”. 18 وهكذا ألغَى اللهُ ما أَمَرَ بِهِ بِخُصوصِ نِظامِ الأحبارِ القَديمِ، وأرسى حَبرًا على مِنهاجٍ جَديدٍ، فَقَد عَجَزَ الأحبارُ عَن تَقريبِ النّاسِ مِنَ اللهِ، 19 لأنَّ الشَّريعةَ عَجَزَت عن تَحقيقِ مَقاصِدِهِ تَعالى لِلعابِدينَ. فجَعَلَ اللهُ نِظامًا جَديدًا لِلّذينَ يَتَقَرَّبونَ إليهِ، وإنّا لَواثِقونَ أنّ هذا النِّظامَ سيَكونُ أفضَلُ مِمّا كانَ عليهِ.
20 أَمّا بِخُصوصِ تَعيينِ السَّيِّدِ المَسيحِ حَبرًا، فَقَد أَقسَمَ اللهُ كَما جاءَ في الزَّبورِ على ذلِكَ -وما أقسَمَ أَبَدًا عِندَ تَعيينِ أَحَدِ أحبارِ بَني لاوي- 21 أنَّ سَيِّدَنا عيسى حَبرٌ فقالَ: “إنّ اللهَ قَد أَقسَمَ ولا رادَّ لِقَسَمِهِ! إنَّكَ أَنتَ حَبرٌ إلى الأَبَدِ”. 22 ولذلِكَ كانَ سَيِّدُنا عيسى لميثاقِ اللهِ الجَديدِ ضامِنًا ودَليلاً، وهو أفضَلُ مِن الميثاقِ الأوّلِ.
23 فقد جَعَلَ اللهُ بَينَ النِّظامَينِ فَرقًا آخَرَ: فالأحبارُ في النِّظامِ القَديمِ كُثُرُ، لأنّ المَوتَ كانَ يَمنَعُهُم أن يُخَلَّدوا في مُهِمَّتِهِم. 24 أَمّا سَيِّدُنا عيسـى، فإنَّهُ خالِدٌ، خُلودَ شَفاعتِهِ، إذ بُعِثَ مِنَ المَوتِ إلى الخُلودِ حَيًّا، 25 وهو بشَفاعتِهِ (سلامُهُ علينا) قَديرٌ على نَجاةِ المُتَقَرِّبينَ إلى اللهِ تَمامَ النَّجاةِ، لأنَّهُ حَيٌّ إلى الأَبَدِ يَشفَعُ لِلعابِدينَ.
26 نعم، هذا هو سَيِّدُنا عيسى كَبيرُ الأحبارِ الَّذي كُنّا نَحتاجُ إليهِ، فهو المُقَدَّسُ الطّاهِرُ الزَّكي، المَعصومُ مِن ذُنوبِ البَشَرِ، الّذي رَفَعَهُ اللهُ فَوقَ الأكوانِ والعالَمينَ. 27 وإن كانَ غَيرِهِ مِن كَبارِ الأحبارِ هؤلاءِ يَحتاجونَ إلى تَقديمِ الأَضاحي كُلَّ يَومٍ حَتّى يُكَفِّروا عن ذُنوبِهِم أوّلاً، وعن ذُنوبِ العابِدينَ ثانيًّا، فإنّ سَيِّدَنا المَسيحَ لا يَحتاجُ إلى هذا تَقديمِها، لأَنّهُ ذاتُهُ قُربانُ القَرابينِ، إذ ضَحَّى بِنَفسِهِ مَرَّةً واحِدةً مِن أَجلِ الآخَرينَ. 28 الشَّريعةُ تُقيمُ كِبارَ الأَحبارِ بَشَرًا خَطّائينَ، أمّا قَسَمُ اللهِ الّذي جاءَ بَعدَها، فَقَد أقامَ السَّيِّدَ المَسيحَ، الابنَ الرُّوحيَّ للهِ، شَفيعًا كامِلاً إلى الأَبَدِ.
*الفصل السّابع:1 كان الملك صادق في تلك الفترة ملك مدينة ساليم. (انظر ما يتعلّق به في التوراة، سفر التكوين 14: 8 – 24). وكانت لفظة ساليم تُطلق في الماضي على مدينة القدس (انظر كتاب الزبور، مزمور 76: 2).
†الفصل السّابع:16 لم يكن سيدنا عيسى حبرا على أساس انحداره من سلالة لاوي بن يعقوب (عليه السّلام)، فهو ينحدر من ذريّة يهوذا، أخ لاوي. وحسب شريعة النبي موسى فإنّ الحبر لا يُعيَّن إلاّ من عائلة هارون من قبيلة لاوي بن يعقوب، وبذلك فإنّ سيدنا عيسى يُعتبر حبرا لسببٍ آخر لا علاقة له بالنسب.